
أحمد مفيد
سمر عزريل:
ا
من فقوعة إلى عرب الرماضين

1
جاك دريدا، حمى الأرشيف الفرويدي (ترجمة: عدنان حسن). اللاذقية: دار الحوار للنشر والتوزيع، 2003. 54. ا
2
نهلة زيادة. "الأرشيف المضاد في التجربة الفلسطينية المعاصرة ". رسالة ماجستير. بيرزيت: جامعة بيرزيت. 2013، 3. ا
جاك دريدا، حمى الأرشيف الفرويدي (ترجمة: عدنان حسن). اللاذقية: دار الحوار للنشر والتوزيع، 2003. 54. ا
2
نهلة زيادة. "الأرشيف المضاد في التجربة الفلسطينية المعاصرة ". رسالة ماجستير. بيرزيت: جامعة بيرزيت. 2013، 3. ا
يشير جاك ديريدا في كتابه "حمى الأرشيف الفرويدي" إلى أن فرويد لم ينجح في تشكيل أي شيء يستأهل أن يُسمى مفهوماً فيما يتعلق بالأرشيف، وهذا ليس فشل فرويد، لأن لا أحد يملك مفهوماً حول الأرشيف. فالأرشيف فكرة عامة نملك حولها سلسلة من الانطباعات، وهو شعور بمجاز أو بسيرورة لا منتهية وغير محدودة، يحركها موضوع ودافع الموت الذي يؤسس للفكرة. والأرشيف كفكرة مرتبطة بقصور الذاكرة أو بموتها دائماً ارتبطت ببنية تقرر المحتوى القابل للأرشفة، الذي يحمل علاقة مع المستقبل أكثر من كونها علاقة مع الماضي فالأرشفة "تنتج الحدث بقدر ما تسجله"1. سنقف في هذا المقال عند محاولة تعريف الأرشيف الفلسطيني بوصفه سلسلة من محاولات البقاء أمام آلة القتل الصهيونية. وذلك من خلال تجربة الباحثة في مجال الأرشيف الرقمي الفلسطيني سمر عزريل بعد ستة سنوات من العمل في أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي. حيث يعتبر المقال خلاصة لحوار مع سمر عزريل اجري في 14 كانون أول/ ديسمبر 2023 في المتحف الفلسطيني في بيرزيت، وبحكم علاقة الزمالة في العمل والصداقة كان جزء من سلسلة طويلة من الحوارات والتأملات فيما يتعلق في موضوع الأرشيف الفلسطيني. ومن هذا قد ظهر موضوع أهمية الكتابة عن الشخص المؤرشف، أو الذي يقوم في هذه المهمة باعتباره شخص غير مرئي بالعادة، ففي رسالة ماجستير التي جاءت بعنوان "الأرشيف المضاد في التجربة الفلسطينية المعاصرة"2 تشير نهلة زيادة إلى أن بشارة دوماني يقدم في كتابه "أرشفة فلسطين والفلسطينيين" فكرة مفادها ان هناك لحظتين في تشكل الأرشيف، الأولى لحظة انتاج النص والثانية لحظة استخدام المؤرخ لهذا النص. ولكن هنا يغيب المؤرشف كشخص غير مرئي لديه استقلال نسبي في جمع المواد بناءً على نظام المؤسسة، في هذه العملية يكون المؤرشف وسيط يقوم فيها بجعل مواد منسية في أدراج عائلات أو مؤسسات إلى مادة رقمية بإمكان المؤرخ استخدامها بطرق متعددة. والحوار مع سمر عزريل حول الأرشيف الفلسطيني بني على حديث عن كونها مؤرشفة لها تجربة مميزة في الأرشيف الفلسطيني، والنص يعرض هذه السيرة عبر عدد من المجموعات الأرشيفية التي عملت عليها وجمعتها، وسيتحدث النص بصوتها بناءً على المقابلة التي اجريت معها. في عدد من العناوين الأول سيكون حول المجموعات الأرشيفية التي تتعلق بالأسرى الفلسطينيين، والثاني وثائق مليكات الأراضي من حقبة الاستعمار البريطاني على فلسطين، أما العنوان الثالث سيكون حول غزة في أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي. وأخيراً عن مجموعات أرشيفية فلسطينية من لبنان.ا
3
عزريل، سمر. بيرزيت، 14 كانون الأول / ديسيمبر 2023. ا
عزريل، سمر. بيرزيت، 14 كانون الأول / ديسيمبر 2023. ا
أنا سمر عزريل3 درست في جامعة بيرزيت علوم سياسية فرعي إدارة عامة، بعد التخرج مباشرة بدأت العمل مع دكتور سميح حمودة في موضوع الأرشيف. واستمر عملي من 2011 – 2018 بشكل متقطع، بدأت في ترتيب أوراق وملخصات ومصادر ومراجع وصولاً إلى جمع المادة التاريخية، وكان أهم ما عملت عليه هو بحث حول حياة المناضل الكبير بسام الشكعة وكانت فرصتي الذهبية عمل تسعة عشر مقابلة معه فيها أبحرنا في تفاصيل حياته منذ الطفولة حتى عام 2015. وكان وجودي في نابلس يتطلب مني التعرف على أرشيف مكتبة بلدية نابلس الضخم، والذي يحتوي على الكثير من الوثائق منها متعلق في الفترة التي كان فيها بسام الشكعة رئيساً لبلدية نابلس.ا
في نيسان 2018 بدأت العمل في المتحف الفلسطيني في بيرزيت كباحثة في مشروع الأرشيف الرقمي وكان الفريق يتكون من باحثة ومؤرشفة ومرقمن. وكانت أول محاولة بحثية احضار مجموعة زياد يوسف التي تحتوي على مواد راجح السلفيتي، والاختيار ينطلق من حبي لهذا الزجال الوطني العظيم ولأنه من بلدي سلفيت. وكان التحدي دائماً في احضار مجموعات ارشيفية نادرة، وهنا حاولت العمل مع مؤسسات نسوية وكشفية وعائلات في القرى والهوامش وهكذا كانت رحلتي في 76 مجموعة أرشيفية من بلدة فقوعة أقسى شمال محافظة جنين على الحدود مع بلدة الناصرة المحتلة، إلى قرية عرب الرماضين جنوب محافظة الخليل على الحدود مع مدينة بئر السبع المحتلة. ولنبدأ سوياً في الحديث حول الأسرى:ا
يشيخ المحقق في الدائرة
يمورُ، ويسألْ
أتصمدْ؟؟
فتضحك.. تضحك..ا
فترتجف الأقبيةْ
والمحقق والأسئلة
“نشيد الصمود" محمد الغرباوي – سجن نفحة كانون ثاني 1990، "مختارات من شعر السجون" من مجموعة عبد العليم دعنا.ا
لدي حب عميق في العمل على مجموعات الأسرى، فهي خاصة وفيها من الابداع والتفاصيل ما لا يمكن رؤيته في مجموعات أخرى. عندما ذهبت إلى منزل الشهيد عبد الله علاونة في بلدة جبع في جنين وهو الذي استشهد بعد أيام من تحرره من السجن عام 1990 وجلست مع أبنائه وزوجته وبنته رأيت هذا الحب العميق، كان حديث دافئ جداً عن والدهم الشهيد، وقدموا أرشيف والدهم من صور رسائل الأسر والأشغال اليدوية التي يقوم الأسرى بعملها بطريقة احترافية. أما عن أجمل صدفة كانت عندما تواصلت مع فخري البرغوثي لأطلع على أرشيفه، فنصحني أن أتصل بعمر البرغوثي (أبو عاصف) تواصلت معه وكان لديه أجمل مجموعة وأعمق تجربة على الإطلاق. فكانت لديه مجموعة مميزة جداً من الصور وكان عنده دفتر في مجموعة اشعار من كتابته داخل السجون التي توثق أحداث ومشاعر وأفكار في غاية الأهمية منذ السبعينات والثمانينات، وخلال اللقاء قمت بتسجيل صوت (غير منشور) لقراءة أبو عاصف للأشعار وسرد القصص بطريقة رائعة جداً وصدفت في الفترة التي أخذت منه الأرشيف استشهاد أبنه صالح البرغوثي، وللأسف بعد بفترة من إعادة المجموعة الدفتر فُقد. وهذا ما اعطى الرقمنة أهمية مضاعفة. وإلى جانب هذه المجموعات لا يمكنني نسيان مجموعة عبد العليم دعنا، ومجموعة عمر القاسم المذهلة التي عملت عليها ولم تكن من ضمن مجموعاتي.ا
في نيسان 2018 بدأت العمل في المتحف الفلسطيني في بيرزيت كباحثة في مشروع الأرشيف الرقمي وكان الفريق يتكون من باحثة ومؤرشفة ومرقمن. وكانت أول محاولة بحثية احضار مجموعة زياد يوسف التي تحتوي على مواد راجح السلفيتي، والاختيار ينطلق من حبي لهذا الزجال الوطني العظيم ولأنه من بلدي سلفيت. وكان التحدي دائماً في احضار مجموعات ارشيفية نادرة، وهنا حاولت العمل مع مؤسسات نسوية وكشفية وعائلات في القرى والهوامش وهكذا كانت رحلتي في 76 مجموعة أرشيفية من بلدة فقوعة أقسى شمال محافظة جنين على الحدود مع بلدة الناصرة المحتلة، إلى قرية عرب الرماضين جنوب محافظة الخليل على الحدود مع مدينة بئر السبع المحتلة. ولنبدأ سوياً في الحديث حول الأسرى:ا
يشيخ المحقق في الدائرة
يمورُ، ويسألْ
أتصمدْ؟؟
فتضحك.. تضحك..ا
فترتجف الأقبيةْ
والمحقق والأسئلة
“نشيد الصمود" محمد الغرباوي – سجن نفحة كانون ثاني 1990، "مختارات من شعر السجون" من مجموعة عبد العليم دعنا.ا
لدي حب عميق في العمل على مجموعات الأسرى، فهي خاصة وفيها من الابداع والتفاصيل ما لا يمكن رؤيته في مجموعات أخرى. عندما ذهبت إلى منزل الشهيد عبد الله علاونة في بلدة جبع في جنين وهو الذي استشهد بعد أيام من تحرره من السجن عام 1990 وجلست مع أبنائه وزوجته وبنته رأيت هذا الحب العميق، كان حديث دافئ جداً عن والدهم الشهيد، وقدموا أرشيف والدهم من صور رسائل الأسر والأشغال اليدوية التي يقوم الأسرى بعملها بطريقة احترافية. أما عن أجمل صدفة كانت عندما تواصلت مع فخري البرغوثي لأطلع على أرشيفه، فنصحني أن أتصل بعمر البرغوثي (أبو عاصف) تواصلت معه وكان لديه أجمل مجموعة وأعمق تجربة على الإطلاق. فكانت لديه مجموعة مميزة جداً من الصور وكان عنده دفتر في مجموعة اشعار من كتابته داخل السجون التي توثق أحداث ومشاعر وأفكار في غاية الأهمية منذ السبعينات والثمانينات، وخلال اللقاء قمت بتسجيل صوت (غير منشور) لقراءة أبو عاصف للأشعار وسرد القصص بطريقة رائعة جداً وصدفت في الفترة التي أخذت منه الأرشيف استشهاد أبنه صالح البرغوثي، وللأسف بعد بفترة من إعادة المجموعة الدفتر فُقد. وهذا ما اعطى الرقمنة أهمية مضاعفة. وإلى جانب هذه المجموعات لا يمكنني نسيان مجموعة عبد العليم دعنا، ومجموعة عمر القاسم المذهلة التي عملت عليها ولم تكن من ضمن مجموعاتي.ا
4
مصعب اشتية: مقاوم فلسطيني مطارد من قرية سالم في نابلس، وهو أسير في سجون السلطة الفلسطينية منذ 19/9/2022 على خلفية سياسة. اعتقل مصعب بعد نشاط مجموعات "عرين الأسود" وهو يعاني من ظروف صحية صعبة. ا
مصعب اشتية: مقاوم فلسطيني مطارد من قرية سالم في نابلس، وهو أسير في سجون السلطة الفلسطينية منذ 19/9/2022 على خلفية سياسة. اعتقل مصعب بعد نشاط مجموعات "عرين الأسود" وهو يعاني من ظروف صحية صعبة. ا

انتقالاً من موضوع المجموعات الأرشيفية المتعلقة في مقتنيات الأسرى، سنناقش هنا عنوان وثائق ملكيات الأراضي وعقود البيع والشراء.ا
ماذا يوجد في برقة؟
"حجة بيع "بيت عقد" واقع في غرب شارع الحارة في قرية برقة يمتلكه صبري محمد حسين الزهرة إلى باير خليل قزعر، حيث اشتراه باير خليل بالنيابة عن ابنه خليل بمبلغ وقدره 25 جنيه فلسطيني، ويحد البيت من الجنوب والغرب طريق ومن الشرق خشبية "بيت خشب" لحسين صالح الشيخ ومن الشمال محل يملكه المشتري، صدرت الحجة بتاريخ 25 ذي الحجة 1355هـ الموافق 8 آذار 1937م وشهد على الحجة ثلاثة شهود من أهل قرية برقة هم شاكر الدسوقي، محمد محمود القزعر، طاهر الحاج عبد."ا

تكمل سمر عزريل "في أحد اجتماعات فريق الأرشيف الرقمي اثير نقاش حول درجة التفصيل التي نود أن نعتمدها في وصف المواد. حيث ترى مثلاً في الوثائق القديمة وعقود البيع والشراء كمية كبيرة من التفاصيل المرهقة. هذه التفاصيل الدقيقة والتي تظهر وكأنها غير مهمة إذا جمعناها في مجموعة مثل مجموعة ضرار أبو عمر أو حمزة العقرباوي بإمكاننا إعادة رسم وتخيل خارطة قرية برقة أو قرية عقربا قبل مئة عام. ولأن برقة كان فيها محطة لسكة حديد، ترى علاقتهم في يافا والساحل الفلسطيني. وكان وجود معصرة الزيتون ومطحنة القمح ترى علاقتهم في القرى المجاورة مثل سيلة الحارثية وسيلة الظهر وبيت مرين. وعلى صعيد نسوي بإمكاننا النظر إلى ملكيات النساء ومدى انخراطهن في المؤسسات وفي عمليات البيع والشراء. ولأنها على محطة وهي قريبة من نابلس كان هناك اهتمام بالتعليم. ولهذا كان هناك توجهات قومية واشتراكية، وكانوا جزء من جمعية العمال العربية بحيفا. والملفت أن هذه الوثائق جمعها واحتفظ بها شخص من قرية برقة بدوافع اهتمامات شخصية فاستطعنا الحصول عليها ورقمنتها".ا
انتقالاً من برقة، سنتناول في العنوان التالي وجود قطاع غزة في أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي، علماً ان بسبب الحصار والفصل القائم بفعل الواقع الاستعماري لم يستطع العاملين/ات في المتحف الفلسطيني الوصول إلى غزة لاحضار مجموعات أرشيفية. ا
كيف تظهر غزة في أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي؟

انزعجت كثيراً عندما رأيت خبر تدمير أرشيف بلدية غزة من قبل العدو الصهيوني خلال الحرب الحالية. أرشيف بلدية غزة ثري جداً ومهم وقديم منذ عام 1893 وهي واحدة من أهم مدن جنوب فلسطين. وبعد عام 1948 كانت تحت الحكم المصري وهذا ما يجعل السياق مختلف عن كل بلديات الضفة الغربية في نمط المراسلات والكتب والقوانين لأن نظام الحكم مختلف، وحتى في فترة الحكم العسكري الصهيوني، كان رئيس البلدية رشاد الشوا لديه صلاحيات إدارية تصل درجة محافظ وليس فقط رئيس بلدية. هذا إلى إضافة وجود سكة حديد والبريد والبرق ومطار غزة. وهذا الأرشيف يحمي سياق تاريخي يحكي عن الناس والحياة في غزة في مكان يتعرض بشكل دائم للحرب والحصار في ظل عدم قدرة الناس المحافظة على صورهم وأوراقهم تحت الركام. وهذا مسح للذاكرة في تاريخ عمره مئة وخمسين عام من الوثائق تم نسفه في ثواني. وهذه النقطة يجب ان ننتبه لها كمؤسسات وبلديات ومجالس وأن نبدأ برقمنة وحماية الوثائق. والرقمنة ليس الحل الأخير، ولكنها جزء من الحل، فهي عملية وقائية، وحفظها في أكثر من مكان سيحميها بشكل جيد. في أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي ظهرت غزة بشكل واسع في مجموعة المصور الفلسطيني يوسف القطب ومجموعة المصورة الفرنسية جوس دراي ومجموعة سليم عازر وهو زميلنا في المتحف الفلسطيني، ومجموعة طلال كنعان، وصور متفرقة من جمعيات العمل النسوي والنقابات، وهناك العديد من المواد داخل المجموعات، لكن غزة ظلمت في الأرشيف، لأن الحرب الدائمة وصعوبة التنقل والحصار كان جزء منها حصار على الأرشيف والذاكرة فلم نستطع الوصول إلى مجموعات من مؤسسات أو وثائق عائلية.ا
5
بعد هذا المشروع بدأ المتحف الفلسطيني في العمل على تنظيم في التظاهرة الفنيّة من أجل غزّة، التي تتضمّن ثلاث مساحات صُمّمت خصّيصًا لتستجيب لحرب الإبادة التي تتعرض لها غزة، أوّلها مساحة بعنوان "هذا ليس معرضًا"، والتي تضمّ أكثر من 280 عملًا فنيًّا لما يزيد عن 100 فنّان غزّي، والذي ضم أعمال فنية للفنانين/ات الشهداء مثل الشهيدة هبة زقوت التي استشهدت في 13/10/2023. والشهيد محمد سامي قريقع الذي استشهد في يوم مجزرة المعمداني في 17/10/2023، والشهيدة شهد نافذ الفنانة الطفلة التي استشهدت في 30/10/2023، والفنان والمصور الشهيد فؤاد أبو خماش الذي استشهد في 10/1/2024 اثر استهداف سيارة اسعاف الهلال الأحمر الفلسطيني كان ضمن فريق التصوير فيها. والمساحة الثانية في معرض فردي بعنوان "المفقودون" للفنّان تيسير بركات، والذي يُقام في الرواق الزجاجي، أمّا المساحة الثالثة بعنوان "نساء غزّة"، فتأتي في عرض إثنوغرافي في بهو المتحف لأثواب وحُليّ تراثيّة تروي قصّة نساء من غزّة بين الإبداع والتهجير والتكافل. ا
بعد هذا المشروع بدأ المتحف الفلسطيني في العمل على تنظيم في التظاهرة الفنيّة من أجل غزّة، التي تتضمّن ثلاث مساحات صُمّمت خصّيصًا لتستجيب لحرب الإبادة التي تتعرض لها غزة، أوّلها مساحة بعنوان "هذا ليس معرضًا"، والتي تضمّ أكثر من 280 عملًا فنيًّا لما يزيد عن 100 فنّان غزّي، والذي ضم أعمال فنية للفنانين/ات الشهداء مثل الشهيدة هبة زقوت التي استشهدت في 13/10/2023. والشهيد محمد سامي قريقع الذي استشهد في يوم مجزرة المعمداني في 17/10/2023، والشهيدة شهد نافذ الفنانة الطفلة التي استشهدت في 30/10/2023، والفنان والمصور الشهيد فؤاد أبو خماش الذي استشهد في 10/1/2024 اثر استهداف سيارة اسعاف الهلال الأحمر الفلسطيني كان ضمن فريق التصوير فيها. والمساحة الثانية في معرض فردي بعنوان "المفقودون" للفنّان تيسير بركات، والذي يُقام في الرواق الزجاجي، أمّا المساحة الثالثة بعنوان "نساء غزّة"، فتأتي في عرض إثنوغرافي في بهو المتحف لأثواب وحُليّ تراثيّة تروي قصّة نساء من غزّة بين الإبداع والتهجير والتكافل. ا
منذ بداية الحرب بدأ المتحف الفلسطيني5 مشروع أرشيف الحرب حتى الآن لدينا ما يقارب 15 ألف مادة (كانون أول/ديسمبر)، وهي شهادات الناس في الحرب، واغلبهم منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي وحسابات شهداء، إضافة إلى مقاطع فيديو المقاومة والخطابات وبيانات وبعض الصحف الفلسطينية والعربية والعالمية. وطبعاً هذا قدر قليل جداً من المواد لأننا نتحدث عن حرب إبادة يتعرض لها أكثر من 2 مليون إنسان في العصر الرقمي كل منهم يستطيع رواية الحرب بطريقته الخاصة، والأحداث سريعة ودائمة والضحايا عددهم كبير والمقاومة إنجازاتها كثيرة ولا نستطيع أن نقول اننا بذلنا جهد مقارنة بحجم الدمار الذي حصل. ولكن هذه الأرشفة مهمة جداً، لأن هذه المرة نحن لسنا مضطرين ان ننتظر عقود بعد "النكبة" لنبدأ بالبحث عن التاريخ الشفوي. والأرشيف هدفه نقل هذه الصورة كما هي، وتوثيق منشورات الناس ومقابلاتهم وآرائهم، وهذا ليس للترف وانما للحماية، لأن هذه الحسابات مهددة بالإغلاق بأي لحظة، وحصلت مثلاً في حذف منصة الشهيد علي نسمان التي كانت تحتوي على عدد كبير من المواد وغيرها العديد. لذلك نعتبر أن مهمة الأرشيف في هذه الحالة هي مهمة وطنية يجب على كل المؤسسات أن تقوم العمل بها كل في نطاق عمله وقدرته وهناك عدد من المجموعات التي تقوم بعمل ممتاز مثل مجموعة "مش أرقام" التي تتحدث عن الشهداء، ومجموعة "شهداء غزة" على انستغرام و"مرصد شيرين" الذي أطلق "الحملة الوطنية لجمع وتوثيق بيانات الشهداء"، وهذه فرصة لكتابة التاريخ وجمع الشهادات الحية الحاضرة أمام الرواية الصهيونية. فالغزي اخرج شهادته تحت النار، ونحن علينا أن نكون بقدر هذه المسؤولية.ا
فلسطين في لبنان:ا
صورة غير ملونة، تظهر فيها تدريب زهراة في بيروت عام 1980. مجموعة يوسف القطب. أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي.ا
"من سواعد ما عرفت الذل والهوان، وقلوب ملؤها اليقين بالله والاطمئنان لوعده إلى أرض الصمود والعزّة، إلى أرض مسرى الرسول والحبيب خير الأنام محمد "ص" إلى قبلة الأحرار والمؤمنين، إلى أهل طوفان الأقصى في غزة هاشم".ا
رسالة من المقاومة الإسلامية في لبنان إلى المقاومة في فلسطين بتاريخ 1/11/2023.
حضور لبنان في الأرشيف الفلسطيني كبير جداً وثلاثة من أكبر المجموعات موضوعها لبنان وهذا بفعل تاريخ الشعب والمقاومة الفلسطينية في لبنان، أهم هذه المجموعات هي مجموعة جمعيّة الهلال الأحمر الفلسطيني وهي توثق في أكثر من خمس آلاف صورة عمل "الهلال" في لبنان فترة الثمانيات والتسعينات، وهناك صور في غاية الأهمية في فترة وجود منظمة التحرير الفلسطينية وحصار بيروت من قبل العدو الإسرائيلي وارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا، وفي المجموعة تظهر جمعية الهلال الأحمر ليس كمؤسسة صحية فقط وانما مؤسسة ثقافية واجتماعية لعبت فيها مجلة "بلسم" الصادرة عنها دور في توثيق الحرب والتفاصيل وخلق وعي جمعي فلسطيني مثلاً في موضوع وجود نازحين الحرب في المستشفيات أيام اجتياح لبنان، عندما لجأت الناس إلى المستشفى في صيدا، وسكنوا الناس في الحرب في المستشفى. وايضاً قصف المستشفيات وسيارات الإسعاف واستهداف المنظومة الحصية. فنرى هذه الاستراتيجية في تهديد البقاء حتى في أزمة الماء في بيروت الغربية وقت الحصار ووجود صور طوابير أمام تعبئة مياه الشرب. كما يظهر الفدائي/ة في لبنان بشكل جميل جداً في مجموعة المصور الفلسطيني يوسف القطب. وتظهر لبنان بأشكال أخرى بمجموعة المصورة الفرنسية جوس دراي والمؤرخة الفلسطينية بيان الحوت وفي مجموعة رولا العلمي وفي العديد من المجموعات الأخرى التي حصلنا عليها من العائدين، والمهم في هذه الأرشيفات أنها لا توثق الأحداث الكبرى فقط، بل تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في شرائح اجتماعية مختلفة.ا
فلسطين في لبنان:ا

"من سواعد ما عرفت الذل والهوان، وقلوب ملؤها اليقين بالله والاطمئنان لوعده إلى أرض الصمود والعزّة، إلى أرض مسرى الرسول والحبيب خير الأنام محمد "ص" إلى قبلة الأحرار والمؤمنين، إلى أهل طوفان الأقصى في غزة هاشم".ا
رسالة من المقاومة الإسلامية في لبنان إلى المقاومة في فلسطين بتاريخ 1/11/2023.
حضور لبنان في الأرشيف الفلسطيني كبير جداً وثلاثة من أكبر المجموعات موضوعها لبنان وهذا بفعل تاريخ الشعب والمقاومة الفلسطينية في لبنان، أهم هذه المجموعات هي مجموعة جمعيّة الهلال الأحمر الفلسطيني وهي توثق في أكثر من خمس آلاف صورة عمل "الهلال" في لبنان فترة الثمانيات والتسعينات، وهناك صور في غاية الأهمية في فترة وجود منظمة التحرير الفلسطينية وحصار بيروت من قبل العدو الإسرائيلي وارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا، وفي المجموعة تظهر جمعية الهلال الأحمر ليس كمؤسسة صحية فقط وانما مؤسسة ثقافية واجتماعية لعبت فيها مجلة "بلسم" الصادرة عنها دور في توثيق الحرب والتفاصيل وخلق وعي جمعي فلسطيني مثلاً في موضوع وجود نازحين الحرب في المستشفيات أيام اجتياح لبنان، عندما لجأت الناس إلى المستشفى في صيدا، وسكنوا الناس في الحرب في المستشفى. وايضاً قصف المستشفيات وسيارات الإسعاف واستهداف المنظومة الحصية. فنرى هذه الاستراتيجية في تهديد البقاء حتى في أزمة الماء في بيروت الغربية وقت الحصار ووجود صور طوابير أمام تعبئة مياه الشرب. كما يظهر الفدائي/ة في لبنان بشكل جميل جداً في مجموعة المصور الفلسطيني يوسف القطب. وتظهر لبنان بأشكال أخرى بمجموعة المصورة الفرنسية جوس دراي والمؤرخة الفلسطينية بيان الحوت وفي مجموعة رولا العلمي وفي العديد من المجموعات الأخرى التي حصلنا عليها من العائدين، والمهم في هذه الأرشيفات أنها لا توثق الأحداث الكبرى فقط، بل تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في شرائح اجتماعية مختلفة.ا
خاتمة:ا
بالعادة هناك راي في العالم يقول ان الأرشيف ليس طارئ، أي أن الوثيقة التي كانت محفوظة في مكان منذ مئة عام، بإمكانها الانتظار عامين حتى نقوم بإدراجها في الأرشيف الرقمي6. لكن هذا الرأي لا ينطبق على الحالة الفلسطينية، ارشيفنا مهدد ومستهدف، وهناك نزعة عند العدو لامتلاك الحقيقة التاريخية عن طريق ملكية الوثائق وسرقة الأرشيفات والمكتبات أو تدميرها ونشر ما يحلو له منها. ولكي لا نبقى نشير إلى سرديتهم المهزومة والمؤسسة للإبادة، علينا أن ننظر بعين الضرورة إلى موضوع الأرشيف الفلسطيني الرقمي، الخطوة الأولى هي البحث والرقمنة وحفظ نسخ متعددة في أكثر من مكان. أما عن الثانية فهي تشجيع الباحثين والفنانين وطلبة الجامعات للعمل على استكشاف هذه الأرشيفات. فهذه ستبقى مادة خام ما لم يتم استخدامها في أفلام وكتب ومقالات وفي المناهج الدراسية، أما عن توسع الأرشيف في أماكن الشتات الفلسطيني بعين طبقية نسويّة فهو مهمة تؤسس لحق عودة اللاجئين كلٌ إلى بيته وقريته وإعادة هذه الوثائق والمقتنيات وقصص العودة الطويلة إلى أماكنها. وأخيراً الأرشيف فكرة مستمرة يومية لا تنتهي، والأرشيف الفلسطيني الأجمل سيظهر بعد التحرير.ا
Ahmad Mofeed
Ahmad Mofeed (b. 1995, Jerusalem) is a graduate student in the MA program in Art History and Curating at the American University of Beirut (AUB). He holds a BA in Sociology and an MA in Human Rights from Birzeit University. He previously worked as a researcher for two years at the Palestinian Museum in Birzeit, Palestine. Alongside his academic and curatorial work, he designs posters and contributes writings to Al-Akhbar newspaper, the Institute for Palestine Studies, and Mondoweiss.
Ahmad Mofeed (b. 1995, Jerusalem) is a graduate student in the MA program in Art History and Curating at the American University of Beirut (AUB). He holds a BA in Sociology and an MA in Human Rights from Birzeit University. He previously worked as a researcher for two years at the Palestinian Museum in Birzeit, Palestine. Alongside his academic and curatorial work, he designs posters and contributes writings to Al-Akhbar newspaper, the Institute for Palestine Studies, and Mondoweiss.

