
Hashem Abushama
لا تُصالح
1.
Coulthard, G. S. (2014). Red skin, white masks: Rejecting the colonial politics of recognition. Minneapolis: University of Minnesota Press.
Coulthard, G. S. (2014). Red skin, white masks: Rejecting the colonial politics of recognition. Minneapolis: University of Minnesota Press.
لطالما سعى الاستعمار الاستيطاني إلى الغاء وجود الشعوب الأصلانية من الأرض المُستَعمرة وإلى إحلال المستوطنين مكانهم٬ وهو بذلك يتمايز عن أشكال أخرى من الاستعمار. ويوظف الاستعمار الاستيطاني وسائل وطرق مختلفة لإتمام هذا الإحلال٬ من ضمنها الإبادة الجماعية كما يحدث الآن في قطاع غزة٬ وسن قوانين عنصرية تهدف الى اقتلاع الفلسطيني من أرضه كما يحدث في القدس والضفة الغربية. كما ويلجأ أيضاً الى القوانين العنصرية و"الحقوق المدنية" التي تسعى إلى تصدير الاختلاف والصراع مع السكان الأصليين كمجرد اختلاف مع "أقلية عربية" ضمن إطار دولة تدّعي الديموقراطية الليبرالية. بالإضافة الى العنف الكولونيالي المباشر والوحشي الذي يستهدف الجسد الفلسطيني٬ تلجأ الدولة الصهيونية إلى ما يمكن تسميته بِ"سياسات الإعتراف" لفرض بنيتها القانونية على الفلسطينيين٬ محاولةً في ذلك تشتيته عن قضيته العادلة وصهر وعيه. ويعرّف المفكر الأصلاني جلين كولتارد سياسات الإعتراف في سياق الاستعمار الاستيطاني في كندا على أنها منظومة مُتّسعة من "نماذج التعددية الليبرالية القائمة على الاعتراف والتي تسعى بدورها الى "التوفيق" بين إصرار السكان الأصليين على حق تقرير المصير وسيادة الدولة الاستيطانية من خلال استيعاب مطالبات الهوية الأصلية في علاقات قانونية وسياسية متجددة مع الدولة الكندية."1 ففي هذا السياق٬ تسعى الدولة المُستَعمرة الى استخدام المفاوضات٬ والى منطق الصُلح الليبرالي القائم على المحافظة على موازين القوى الغير متساوية بين أطراف الصراع٬ لإدامة المنظومة الإستعمارية.
ا
وعلى الرغم من تشابه نموذج الاستعمار الاستطياني الصهيوني مع دول استيطانية أخرى مثل كندا والولايات المتحدة الأمريكية في تمظهرهم بغلاف "الدولة الديمقراطية الليبرالية" ٬ الا انها تختلف بكونها دولة يهودية في المقام الأول—واضحة في كون ديموقراطيتها حكرٌ على الإنسان اليهودي. ولكن ذلك لا يعني بأن الدولة اليهودية لا توظف أساليب استعمارية مشابهة لتلك المنتهجة في سياقات استعمارية استيطانية أخرى. وكمثال على ذلك، تعد إتفاقية أوسلو نموذج صريح لتوظيف دولة الاحتلال سياسات الاعتراف الاستعمارية من أجل إقناع الشريحة البرجوازية الوطنية وأعوانها من رؤوس الأموال الفلسطينية بإمكانية التوفيق بين التنمية الرأسمالية الفلسطينية والاستعمار الاستيطاني. وقد نتج عن هذه الحالة المُنفصمة ازدياد التناغم بين البنية البوليسية لشبه الدولة الفلسطينية في رام الله مع أجهزة الاستعمار٬ بحيث أضحت الأولى تلعب دورا هاما في وأد الطاقات الثورية في الشارع الفلسطيني بأشكالها المتعددة. وكما يُجادل عنان الحمد الله في مقاله بعنوان "حداثة مخبرية: الاقتصاد السياسي "لمكافحة التمرد" في الضفة"٬ فإن سلوك السلطة يمكن تفسيره كاقتصاد سياسي لمكافحة التمرد٬ أي كمنظومة إعتراف (مبنية على منطق الصُلح الليبرالي) توظف السبل الاقتصادية لكي الوعي الفلسطيني ووأد الطاقات الثورية. وتمثل هذه الاتفاقيات أرشيف متنامي للدور الشائن للبرجوازية الفلسطينية وتخاذلها مع الاستعمار ومع القوات الرجعية في المنطقة. ا
لكن٬ هنالك أيضا ارشيفا مضادا يشمل الممارسات والأفكار والمبادرات والحراكات المناهضة لسياسات الاعتراف. فبالرغم من توغل المنظومة الاستيطانية الصهيونية، الا أن الفلسطينيين لطالما طوروا أساليب لمناهضة "سياسات الاعتراف" الاستيطانية، وسأحاول في هذه المقالة أن أنسج أرشيفاً حولها. وهنا علينا أن نتذكر بأن السلطة لا تمثل الطاقات الفكرية المختلفة في المجتمع الفلسطيني٬ فهي فرضت وما زالت تفرض هيمنتها بالقوة البوليسية٬ وقد عملت بشكل جاهد لقمع الطاقات الفكرية المجابهة لفكر الاعتراف القائم على أسس الصُلح الليبرالي الهادف لخدمة شريحة محدودة من المجتمع الفلسطيني. ومن هنا تنبع أهمية توثيق الطاقات الفكرية والممارسات السياسية المناهضة لفكر الاعتراف وتناولها كأرشيف تحرري. ا
وأقصد هنا البحث عن أرشيف لممارسات فكرية ومادية ما زالت تتجسد على أرض الواقع، وهو بطبيعة الحال منطلق من الرفض التام لسياسات الاعتراف والتأكيد على مقولة "لا تصالح". اتناول في هذا المقال بعض المواد التاريخية التي تبين وجود هذا الأرشيف واهميته، ومن ضمنها المقابلة المتلفزة الشهيرة لغسان كنفاني مع ريتشارد كارليتون عام 1970 وبعض من رسومات ناجي العلي الرافضة للمفاوضات وخيار المساومة٬ ومرافعة احمد سعدات امام المحاكم الإسرائيلية عام 2008. ويمكننا النظر الى هذه المواد كجزء من أرشيف حي يوثق التمرد على فكر الاعتراف الانهزامي الذي صاحب اتفاقية أوسلو والذي ما زال يحاول—حتى في ظل الإبادة الجماعية في قطاع غزة—التمسك بهذا التوفيق الموهوم مع بنية الاستعمار. ا
وعلى الرغم من تشابه نموذج الاستعمار الاستطياني الصهيوني مع دول استيطانية أخرى مثل كندا والولايات المتحدة الأمريكية في تمظهرهم بغلاف "الدولة الديمقراطية الليبرالية" ٬ الا انها تختلف بكونها دولة يهودية في المقام الأول—واضحة في كون ديموقراطيتها حكرٌ على الإنسان اليهودي. ولكن ذلك لا يعني بأن الدولة اليهودية لا توظف أساليب استعمارية مشابهة لتلك المنتهجة في سياقات استعمارية استيطانية أخرى. وكمثال على ذلك، تعد إتفاقية أوسلو نموذج صريح لتوظيف دولة الاحتلال سياسات الاعتراف الاستعمارية من أجل إقناع الشريحة البرجوازية الوطنية وأعوانها من رؤوس الأموال الفلسطينية بإمكانية التوفيق بين التنمية الرأسمالية الفلسطينية والاستعمار الاستيطاني. وقد نتج عن هذه الحالة المُنفصمة ازدياد التناغم بين البنية البوليسية لشبه الدولة الفلسطينية في رام الله مع أجهزة الاستعمار٬ بحيث أضحت الأولى تلعب دورا هاما في وأد الطاقات الثورية في الشارع الفلسطيني بأشكالها المتعددة. وكما يُجادل عنان الحمد الله في مقاله بعنوان "حداثة مخبرية: الاقتصاد السياسي "لمكافحة التمرد" في الضفة"٬ فإن سلوك السلطة يمكن تفسيره كاقتصاد سياسي لمكافحة التمرد٬ أي كمنظومة إعتراف (مبنية على منطق الصُلح الليبرالي) توظف السبل الاقتصادية لكي الوعي الفلسطيني ووأد الطاقات الثورية. وتمثل هذه الاتفاقيات أرشيف متنامي للدور الشائن للبرجوازية الفلسطينية وتخاذلها مع الاستعمار ومع القوات الرجعية في المنطقة. ا
لكن٬ هنالك أيضا ارشيفا مضادا يشمل الممارسات والأفكار والمبادرات والحراكات المناهضة لسياسات الاعتراف. فبالرغم من توغل المنظومة الاستيطانية الصهيونية، الا أن الفلسطينيين لطالما طوروا أساليب لمناهضة "سياسات الاعتراف" الاستيطانية، وسأحاول في هذه المقالة أن أنسج أرشيفاً حولها. وهنا علينا أن نتذكر بأن السلطة لا تمثل الطاقات الفكرية المختلفة في المجتمع الفلسطيني٬ فهي فرضت وما زالت تفرض هيمنتها بالقوة البوليسية٬ وقد عملت بشكل جاهد لقمع الطاقات الفكرية المجابهة لفكر الاعتراف القائم على أسس الصُلح الليبرالي الهادف لخدمة شريحة محدودة من المجتمع الفلسطيني. ومن هنا تنبع أهمية توثيق الطاقات الفكرية والممارسات السياسية المناهضة لفكر الاعتراف وتناولها كأرشيف تحرري. ا
وأقصد هنا البحث عن أرشيف لممارسات فكرية ومادية ما زالت تتجسد على أرض الواقع، وهو بطبيعة الحال منطلق من الرفض التام لسياسات الاعتراف والتأكيد على مقولة "لا تصالح". اتناول في هذا المقال بعض المواد التاريخية التي تبين وجود هذا الأرشيف واهميته، ومن ضمنها المقابلة المتلفزة الشهيرة لغسان كنفاني مع ريتشارد كارليتون عام 1970 وبعض من رسومات ناجي العلي الرافضة للمفاوضات وخيار المساومة٬ ومرافعة احمد سعدات امام المحاكم الإسرائيلية عام 2008. ويمكننا النظر الى هذه المواد كجزء من أرشيف حي يوثق التمرد على فكر الاعتراف الانهزامي الذي صاحب اتفاقية أوسلو والذي ما زال يحاول—حتى في ظل الإبادة الجماعية في قطاع غزة—التمسك بهذا التوفيق الموهوم مع بنية الاستعمار. ا
2.
119
119
غالب هلسا (1994). اختيار النهاية الحزينة. مركز الحضارة العربية للإعلام والنشر والدراسات٬ ص.
ا
3.
Trouillot, M.-R. (1995). Silencing the past: Power and the production of history. Boston, Mass: Beacon Press.
3.
Trouillot, M.-R. (1995). Silencing the past: Power and the production of history. Boston, Mass: Beacon Press.
وقد تنبأ المثقف الفلسطيني غالب هلسا بخطورة هذا المنطق الانهزامي على سيرورة الثورة الفلسطينية٬ بحيث جادل في كتابه "اختيار النهاية الحزينة" بأن منظمة التحرير الفلسطينية قامت باستبعاد المثقف الفلسطيني المشتبك وأشاعت جواً معاديا للثقافة النقدية التحررية واستبدلتها بثقافة شريعة الساموراي قائلاً، "لا تفكر٬ فالتفكير يصنع الجبناء.2" ويمكننا من خلال هذا التفكير رؤية أيديولوجية السلطة المبنية على المفاوضات مع العدو ضمن إطار علاقات قوى تحكم بناء وتنظيم الفكر في المجتمع الفلسطيني. وتبرز أيديولوجية السلطة من هذا المنظور كمجرد حالة تاريخية معتمدة على عوامل اقتصادية وفكرية وسياسية معينة تُساعد على بقائها٬ وعلى اضطرارها الدائم لقمع الفكر التحرري أو أي فكر مُناهض لمنطق الصُلح مع الاستعمار وراس المال. وكما يذكرنا المؤرخ الهايتي ميشيل رولف ترويلوت٬ فأن الصمت يتخلل إنتاج الروايات التاريخية٬ أولا في صنع المصادر٬ ثم الأرشيف٬ ثم الروايات٬ ثم "التاريخ".3 وهذا حال الأرشيف المناهض لفكر الاعتراف حيث بالإمكان النظر إليه كفكر تحرري ترفضه الرواية التاريخية المبنية على فكر بناء الدولة الرأسمالية والمتجسدة في نظام السلطة٬ محاولةً طمسه. وفي الوقت الذي تستمر فيه شرعية السلطة بالتلاشي٬ تزداد أهمية جمع هذا الأرشيف المناهض٬ والتأكيد على الفكر الثوري المناهج لكل البنى الاستعمارية وتجلياتها المتعددة.ا
السيف والرقبة
![]()
صورة من مقابلة غسان كنفاني مع ريتشارد كارليتون
السيف والرقبة

صورة من مقابلة غسان كنفاني مع ريتشارد كارليتون
"المذيع: "لماذا لا تشارك منظمتكم في محادثات سلام مع الإسرائيليين؟
"كنفاني: "انت لا تعني تماما محادثات سلام. انت تقصد استسلام٬ خضوع
"المذيع: "لماذا لا تتحدثون فقط؟
"كنفاني: "نتحدث مع من؟
"المذيع: "مع القادة الإسرائيليين
كنفاني: "تقصد ذلك نوع من المحادثات بين السيف والرقبة٬ هذا ما تقصده... انا لم اسمع قط محادثات بين حالة استعمارية وحركة تحرر وطني"4 ا
"كنفاني: "انت لا تعني تماما محادثات سلام. انت تقصد استسلام٬ خضوع
"المذيع: "لماذا لا تتحدثون فقط؟
"كنفاني: "نتحدث مع من؟
"المذيع: "مع القادة الإسرائيليين
كنفاني: "تقصد ذلك نوع من المحادثات بين السيف والرقبة٬ هذا ما تقصده... انا لم اسمع قط محادثات بين حالة استعمارية وحركة تحرر وطني"4 ا
4.
PFLP Ghassan Kanafani, Richard Carleton interview-COLOR VERSION_مقابلة غسان كنفاني النسخة الملوّنة. Retrieved from https://www.youtube.com/watch?v=sd_8LagRSnY
PFLP Ghassan Kanafani, Richard Carleton interview-COLOR VERSION_مقابلة غسان كنفاني النسخة الملوّنة. Retrieved from https://www.youtube.com/watch?v=sd_8LagRSnY
يُصر كنفاني في مقابلته مع ريتشارد كارليتون عام 1970 على إعادة تعريف الإطار التحليلي للواقع الفلسطيني. يبدو كارليتون ككاريكاتور للمذيع الأبيض الغربي الساذج٬ فيسارع في ترديد الكليشيهات في وصفه للواقع الفلسطيني٬ فتارة يسميه حرب أهلية٬ وفي تارة أخرى يسميه "صراع" ((conflict بين أطراف متساوية. ويقاطعه كنفاني ليصر على أن هذه المسميات تسيء تصوير الواقع٬ وتساهم في تضليل حالة التحرر من النظام الاستعماري وتحويلها الى مجرد صراع بين طرفين. وهنا يصر كنفاني على تشخيص الحالة الفلسطينية كمشروع تحرر يُعيد الى المركز التفاوت الحقيقي والمادي بين القوة الاستعمارية وحركة التحرر العادلة. لا يتمسك هذا التشخيص بحق السكان الأصليين بمقاومة الاستعمار فحسب٬ بل ينبَّه للنتائج الوخيمة للقبول بإطار مفاوضات مع المُستَعمِر. فبالنسبة لكنفاني حال هذه المفاوضات هو حال الحوار بين السيف والرقبة، والمشكلة الأساس هو أن الحديث يعيد إنتاج العلاقات غير المتساوية بين الأطراف٬ ويعزز النظام الاستعماري بدلاً من محوه.ا
5.
Fanon, F. (2004). The wretched of the earth: Frantz Fanon ; translated from the French by Richard Philcox ; with commentary by Jean-Paul Sartre and Homi K. Bhabha. New York: Grove Press, p.24.
Fanon, F. (2004). The wretched of the earth: Frantz Fanon ; translated from the French by Richard Philcox ; with commentary by Jean-Paul Sartre and Homi K. Bhabha. New York: Grove Press, p.24.
وبالإمكان إذاً قراءة هذه المقابلة مع كنفاني كتخيلات تحررية فلسطينية مغايرة لذلك التخيل الذي أصبح مهيمناً على منظمة التحرير الفلسطينية٬ والذي قادها إلى إطار اتفاقيات أوسلو المشؤومة. وعلى الرغم من خصوصية الواقع الفلسطيني٬ إلا انه غير استثنائي ويتقاطع في هذه المعضلة مع حركات تحرر الأخرى حول العالم. ففي كثير من الأحيان٬ كما جادل فرانتز فانون٬ قامت الطبقات البرجوازية الوطنية باختزال مطالب حركات التحرر الثورية في مطالب حقوقية ضيقة٬ أو إعلانات فارغة للسيادة السياسية٬ أو مطالب بفك الحصار عن أموال الضريبة وزيادة حزم المساعدات الدولية. فيجادل فانون بأن "التسوية مدرجة أيضا على جدول اعمال البرجوازية الوطنية التي٬ بسبب عدم قدرتها على التنبؤ بالعواقب المحتملة لمثل هذا الإعصار {أي إعصار انهاء الاستعمار} ٬ تخشى من أن يتم جرفها وتسارع إلى طمأنة المستعمرين: "ما زلنا قادرين على وقف المذبحة٬ لا تزال الجماهير تثق بنا٬ تصرفوا بسرعة اذا كنتم لا تريدون تعريض كل شيء للخطر"".5 وفي مقولة فانون انعكاس للدور الذي أصبحت تقوم به البرجوازية الوطنية الفلسطينية المتمثلة في السلطة. فهذه الطبقة ترى في التسوية فرصة حقيقية لجني ثمار محدودة ومقتصرة على مصالحها الرأسمالية٬ وهي بذلك تصبح مهتمة بشكل عضوي في المحافظة على الواقع الاستعماري حتى وإن طالبت بتجميله.ا
6.
263
رضوى عاشور. "أنا من مخيم عين الحلوة: مقابلة مع الفنان الفلسطيني ناجي العلي" في كتاب لكل المقهورين أجنحة. دار الشروق٬ ص. ا
263
رضوى عاشور. "أنا من مخيم عين الحلوة: مقابلة مع الفنان الفلسطيني ناجي العلي" في كتاب لكل المقهورين أجنحة. دار الشروق٬ ص. ا
ولم يكن كنفاني وحيدا في رفضه لهذا النموذج من التسوية. فقد كرس ناجي العلي، رسام الكاريكاتور الفلسطيني٬ الكثير من رسوماته لشرح تناقضات ومحدودية سياسات الاعتراف. ومن الجدير بالذكر هنا القصة الشهيرة التي جمعت كنفاني والعلي حيث يقول ناجي: "وبالمناسبة كان أول من شجعني هو المرحوم غسان كنفاني الذي مر على المخيم للمشاركة في إحدى الندوات. وكان لدينا ناد بسيط اقمناه من الزنك. والتفت غسان الى الرسوم الكاريكاتورية التي كانت على الحائط وتعرف عليِ."6 وكان العلي حريصا على أن تصل رسوماته لأكبر شريحة ممكنة من الناس٬ وخلق رموزا أصبح تكرارها لغة مشتركة بينه وبين جمهوره. وقد كان وصفه للقيادة الوطنية الفلسطينية جزء من هذه اللغة المشتركة٬ فغالبا ما تظهر القيادة في رسومه كرجال ذوي رؤوس صلعاء واوزان ثقيلة٬ مرتدية البدل الرسمية٬ ومتعالية على بقية الشعب.ا
![]()
كاريكاتور (1). قرار 242 والمفاوضات. المصدر: أرشيف ناجي العلي٬ مركز دراسات الشرق الأوسط٬ جامعة اوكسفورد.ا
ونرى في رسمة الكاريكاتور الأولى٬ سيارة مكتظة في داخلها أربعة رجال صلع يقفون على حاجز يحرسه جنود إسرائيليون. نمرة السيارة هي "242"٬ وفي ذلك رمزية لقرار مجلس الأمن "242" والذي نص على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967. ويتبع الارقام ثلاثة أحرف تشكل كلمة "نعم"٬ كدليل لغوي واضح على الخضوع السياسي لمثل هذه القرارات٬ والتي تشكل بدورها أرشيف رسمي لسياسات الإعتراف الهادفة الى تجنيد طبقات معينة من المجتمع الفلسطيني مهتمة بتراكم رأس المال على حساب حل سياسي مُنصف للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. ويحتوي الكاريكاتور على علامتين لموطئ القدم يدلان على الذل والخضوع. وفي التعليق المكتوب والمقدم كقول من جندي الإسرائيلي يقول فيه، "مبعدين من المخيمات الفلسطينية في الخارج... خليهم يتفضلوا يفاوضوا عن الي بالداخل." وفي ذلك نقد لمنطق المفاوضات الانهزامي والذي يسعى لجني المكاسب من الواقع الاستعماري٬ بدلا من العمل على انهائه٬ ولبعد هذه الطبقة السياسية الجغرافي والاستعاري عن معذَّبي فلسطين.ا
الفلسطيني وقضيته العادلة. ويحتوي الكاريكاتور على علامتين لموطئ القدم يدلان على الذل والخضوع. وفي التعليق المكتوب والمقدم كقول من جندي الإسرائيلي يقول فيه، "مبعدين من المخيمات الفلسطينية في الخارج... خليهم يتفضلوا يفاوضوا عن الي بالداخل." وفي ذلك نقد لمنطق المفاوضات الانهزامي والذي يسعى لجني المكاسب من الواقع الاستعماري٬ بدلا من العمل على انهائه٬ ولبعد هذه الطبقة السياسية الجغرافي والاستعاري عن معذَّبي فلسطين.ا

كاريكاتور (1). قرار 242 والمفاوضات. المصدر: أرشيف ناجي العلي٬ مركز دراسات الشرق الأوسط٬ جامعة اوكسفورد.ا
ونرى في رسمة الكاريكاتور الأولى٬ سيارة مكتظة في داخلها أربعة رجال صلع يقفون على حاجز يحرسه جنود إسرائيليون. نمرة السيارة هي "242"٬ وفي ذلك رمزية لقرار مجلس الأمن "242" والذي نص على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967. ويتبع الارقام ثلاثة أحرف تشكل كلمة "نعم"٬ كدليل لغوي واضح على الخضوع السياسي لمثل هذه القرارات٬ والتي تشكل بدورها أرشيف رسمي لسياسات الإعتراف الهادفة الى تجنيد طبقات معينة من المجتمع الفلسطيني مهتمة بتراكم رأس المال على حساب حل سياسي مُنصف للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. ويحتوي الكاريكاتور على علامتين لموطئ القدم يدلان على الذل والخضوع. وفي التعليق المكتوب والمقدم كقول من جندي الإسرائيلي يقول فيه، "مبعدين من المخيمات الفلسطينية في الخارج... خليهم يتفضلوا يفاوضوا عن الي بالداخل." وفي ذلك نقد لمنطق المفاوضات الانهزامي والذي يسعى لجني المكاسب من الواقع الاستعماري٬ بدلا من العمل على انهائه٬ ولبعد هذه الطبقة السياسية الجغرافي والاستعاري عن معذَّبي فلسطين.ا
الفلسطيني وقضيته العادلة. ويحتوي الكاريكاتور على علامتين لموطئ القدم يدلان على الذل والخضوع. وفي التعليق المكتوب والمقدم كقول من جندي الإسرائيلي يقول فيه، "مبعدين من المخيمات الفلسطينية في الخارج... خليهم يتفضلوا يفاوضوا عن الي بالداخل." وفي ذلك نقد لمنطق المفاوضات الانهزامي والذي يسعى لجني المكاسب من الواقع الاستعماري٬ بدلا من العمل على انهائه٬ ولبعد هذه الطبقة السياسية الجغرافي والاستعاري عن معذَّبي فلسطين.ا
7.
264
ص.
264
ص.
لم يقتصر ناجي العلي في تحليله على العلاقة بين المُستعمِر والمُستَعمر٬ بل أصر على إطار بصري يبين هذه العلاقة وتأثيرها على علاقات اجتماعية أخرى٬ كالطبقية٬ والعلاقة الجغرافية بين الداخل الفلسطيني (شاملا أراضي ال48 وال67) والشتات في الخارج. فيقول العلي في مقابلته مع رضوى عاشور: "وأنا شخصيا٬ انسان منحاز الى طبقتي. منحاز للفقراء وأنا لا أغالط روحي ولا أتملق أحدا. والقضية واضحة ولا تحتمل الاجتهاد: الفقراء هم الذين يسجنون وهم الذين يعانون معاناة حقيقية. هناك طبعا من تاجر بقضايا الفقراء٬ وهناك من يمر بمرحلة النضال مرور ترانزيت ويطالب بعد ذلك بأن يصبح نجما ابديا. المناضل الحقيقي دائم العطاء يأخذ حقة من خلال حق الآخرين وليس على حسابهم."7 وفي رسمة الكاريكاتور (2)٬ نرى شخصيات مألوفة في رسومات ناجي العلي من ضمنها الرجل الفقير صاحب الشارب السميك والذي يقع في أسفل الهرم البشري٬ ويتسلق على أكتافه أصحاب البدلات الرسمية. وبحس ساخر وناقد٬ يخطُ حنظلة—رفيق ناجي العلي الذي يحرسه من الانزلاق في الفكر الاستهلاكي والانتهازي—"الطبقات الصوتية في المسألة الوطنية"٬ ففي حين ينطق الرجل الفقير "لعّ" بشكل واضح٬ رافضا الاغراءات الشكلية من الامبريالية الامريكية والاستعمار الصهيوني٬ يُسارع أصحاب البدلات للقبول بهذه التسوية٬ فهم—كما يذكرنا فانون—يرون في التسوية حماية لمصالحهم.ا
![]()
كاريكاتور (2). الطبقات الصوتية في المسأالة الوطنية. المصدر: أرشيف ناجي العلي٬ مركز دراسات الشرق الأوسط٬ جامعة اوكسفورد.ا
وقد أثبتت لنا اتفاقية أوسلو ان إجراءات الاقتصاد السياسي٬ كالبطالة المقنعة في الأجهزة الأمنية الفلسطينية٬ قادرة على تحويل شريحة من المهمشين اقتصاديا في المجتمع الفلسطيني إلى قوة قمعية تعمل لحماية مصالح البرجوازية الوطنية. ولكن هذه السياسات غير قادرة على صرف الأنظار عن وحشية العنف الاستعماري والذي يطال كافة شرائح المجتمع. بمعنى آخر٬ مهما حاولت دولة الاحتلال والسلطة الفلسطينية إيجاد صيغ جديدة لبيع وهم السلام الاقتصادي الذي روجت له اتفاقية أوسلو٬ لن تنجح في إخفاء التناقض المحوري مع المُستَعمر، ولربما في تصاعد وتيرة المقاومة المسلحة وغيرها في الضفة الغربية أحد البراهين على فشل المشروع المهادن. وفي رفض ناجي العلي لمنطق المفاوضات والصُلح مع الاستعمار في الثمانينات نبوءة لهذه الديناميات داخل المؤسسة السياسية الفلسطينية. وقد جادل غالب هلسا في مقاله "مثقف منظمة التحرير الفلسطينية" بأن هنالك "ديناميات طاردة ومستقبلة تفعل فعلها في م.ت.ف وفي أشباه المثقفين٬ ولا نتحدث عن مقاصد فردية. فانه حتى وإن توفرت هذه المقاصد الفردية٬ فإن دلالتها وأهميتها تبرز عبر دمجها داخل تلك الديناميات" (ص 118). والمقصد هنا بأن هذه الديناميات الطاردة للمثقف الفلسطيني المشتبك والمُستقطبة للفكر الانهزامي كانت قد أصبحت ديناميات عضوية داخل المنظمة٬ ناتجة عن انخراط قيادتها آنذاك بالتيار السياسي الرجعي في المنطقة وابتعادها عن الفكر الثوري الرافض للاعتراف بالإحتلال ولمنطق المصالحة.ا
وهنا تكمن أهمية التفكير مع هذا الأرشيف الغير مكتوب في تاريخ النضال الفلسطيني ضد الاستعمار. فهنالك عوالم تفصل بين إصرار غسان كنفاني على رفض المفاوضات " وإصرار رئيس السلطة الفلسطينية الحالي على التمسك بتنسيقه الأمني مع دولة الاحتلال. وهنالك عوالم تفصل بين غضب ناجي العلي على المؤسسة السياسية الفلسطينية في بداية الثمانينات وبين ما وصلنا إليه اليوم. وكان غالب هلسا على حق عندما استشهد باغتيال ناجي العلي كمثال واضح لدينامية طرد المثقف الفلسطيني المشتبك من إطار المنظمة٬ فحتى وإن شحت المعلومات عن عملية الاغتيال ومنفذيها٬ إلا أن مجابهة قيادات المنظمة لفكر ناجي العلي توحي بكيفية طرد المثقفين الفلسطينيين من كل الإطار السياسي "الرسمي". ولعل حنظلة أفضل من يُأرشف للفكر المناهض للاعتراف بالاحتلال٬ فيقول ناجي العلي واصفا إياه:ا

كاريكاتور (2). الطبقات الصوتية في المسأالة الوطنية. المصدر: أرشيف ناجي العلي٬ مركز دراسات الشرق الأوسط٬ جامعة اوكسفورد.ا
وقد أثبتت لنا اتفاقية أوسلو ان إجراءات الاقتصاد السياسي٬ كالبطالة المقنعة في الأجهزة الأمنية الفلسطينية٬ قادرة على تحويل شريحة من المهمشين اقتصاديا في المجتمع الفلسطيني إلى قوة قمعية تعمل لحماية مصالح البرجوازية الوطنية. ولكن هذه السياسات غير قادرة على صرف الأنظار عن وحشية العنف الاستعماري والذي يطال كافة شرائح المجتمع. بمعنى آخر٬ مهما حاولت دولة الاحتلال والسلطة الفلسطينية إيجاد صيغ جديدة لبيع وهم السلام الاقتصادي الذي روجت له اتفاقية أوسلو٬ لن تنجح في إخفاء التناقض المحوري مع المُستَعمر، ولربما في تصاعد وتيرة المقاومة المسلحة وغيرها في الضفة الغربية أحد البراهين على فشل المشروع المهادن. وفي رفض ناجي العلي لمنطق المفاوضات والصُلح مع الاستعمار في الثمانينات نبوءة لهذه الديناميات داخل المؤسسة السياسية الفلسطينية. وقد جادل غالب هلسا في مقاله "مثقف منظمة التحرير الفلسطينية" بأن هنالك "ديناميات طاردة ومستقبلة تفعل فعلها في م.ت.ف وفي أشباه المثقفين٬ ولا نتحدث عن مقاصد فردية. فانه حتى وإن توفرت هذه المقاصد الفردية٬ فإن دلالتها وأهميتها تبرز عبر دمجها داخل تلك الديناميات" (ص 118). والمقصد هنا بأن هذه الديناميات الطاردة للمثقف الفلسطيني المشتبك والمُستقطبة للفكر الانهزامي كانت قد أصبحت ديناميات عضوية داخل المنظمة٬ ناتجة عن انخراط قيادتها آنذاك بالتيار السياسي الرجعي في المنطقة وابتعادها عن الفكر الثوري الرافض للاعتراف بالإحتلال ولمنطق المصالحة.ا
وهنا تكمن أهمية التفكير مع هذا الأرشيف الغير مكتوب في تاريخ النضال الفلسطيني ضد الاستعمار. فهنالك عوالم تفصل بين إصرار غسان كنفاني على رفض المفاوضات " وإصرار رئيس السلطة الفلسطينية الحالي على التمسك بتنسيقه الأمني مع دولة الاحتلال. وهنالك عوالم تفصل بين غضب ناجي العلي على المؤسسة السياسية الفلسطينية في بداية الثمانينات وبين ما وصلنا إليه اليوم. وكان غالب هلسا على حق عندما استشهد باغتيال ناجي العلي كمثال واضح لدينامية طرد المثقف الفلسطيني المشتبك من إطار المنظمة٬ فحتى وإن شحت المعلومات عن عملية الاغتيال ومنفذيها٬ إلا أن مجابهة قيادات المنظمة لفكر ناجي العلي توحي بكيفية طرد المثقفين الفلسطينيين من كل الإطار السياسي "الرسمي". ولعل حنظلة أفضل من يُأرشف للفكر المناهض للاعتراف بالاحتلال٬ فيقول ناجي العلي واصفا إياه:ا
8.
264
ص.
264
ص.
"ان شخصية حنظلة كانت بمثابة ايقونة حفظت روحي من السقوط كلما شعرت بشيء من التكاسل أو بأنني اكاد اغفو او اهمل واجبي. اشعر بان هذا الطفل كنقطة ماء على جبيني يصحيني ويدفعني الى الحرص ويحرسني من الخطأ والضياع. انه كالبوصلة بالنسبة لي٬ وهذه البوصلة تشير دائما الى فلسطين. وليس فقط الى فلسطين بالمعنى الجغرافي ولكن بالمعني الإنساني والرمزي٬ أي القضية العادلة أينما كانت في مصر او في فيتنام او في افريقيا الجنوبية."8ا
الخاتمة
الخاتمة
9.
بوابة الهدف. النص الكامل لمرافعة أحمد سعدات امام محكمة الاحتلال. الرابط: ا https://hadfnews.ps/post/49723/النص-الكامل-لمرافعة-أحمد-سعدات-أمام-محكمة-الاحتلال
بوابة الهدف. النص الكامل لمرافعة أحمد سعدات امام محكمة الاحتلال. الرابط: ا https://hadfnews.ps/post/49723/النص-الكامل-لمرافعة-أحمد-سعدات-أمام-محكمة-الاحتلال
"لا يمكن فصل هذه المحاكمة عن عملية الصراع التاريخي في فلسطين، والمستمرّ حتى يومنا هذا، بين الحركة الصهيونية والشعب الفلسطيني، صراعٌ يدور حول أرضها، تاريخها، حضارتها ثقافتها، وهويتها. وعليه فإن أيّة محاولة للقفز عن هذه الحقيقة في تناول تداعيات الصراع يُشكّل تعسفًا مقصودًا على الواقع وسيجانب الصواب، تعسفًا يستمد دوافعه من غطرسة الطرف القوي. وسعيه لإخضاع نقيضه (الضعيف) بمعايير وموازين القوى التي تحكم هذا الصراع على الأرض." – احمد سعدات9٬ 2008
>بهذه الكلمات استهل الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين٬ احمد سعدا٬ مرافعته أمام محكمة الاحتلال بتاريخ 25 ديسمبر عام 2008 ٬ وقتها فرضت المحكمة عليه حكما بالسجن 30 عاما. يبدأ سعدات مرافعته بالتنويه لموازين القوى غير المتساوية بين الطرف القوي٬ وسعي الطرف الأول لفرض قواعده الاستعمارية على أرض الواقع. ويُجادل بأن الجهاز القضائي الإسرائيلي هو جزء لا يتجزأ من المنظومة الاستعمارية الاستيطانية الهادفة لمحو الوجود الفلسطيني. فلا شرعية لمحاكم تخدم دولة استعمار ترفض المثول للقوانين الدولية٬ وتُمعن في اضطهادها للفلسطينيين٬ وتستمر في تعزيز بنية استعمارية استيطانية. ويقول سعدات بأن هذا الجهاز القضائي "وظيفته إضفاء الشرعية القانونية على جرائم الاحتلال وممارساته المتناقضة مع منطق ونصوص القانون الدولي٬ وتشريع الاحتلال وتكريس مفاهيمه وفرضها بالقوة على شعبنا كجزء من فرض الرؤيا الإسرائيلية لسبل إدارة الصراع وطبيعته٬ والسير بمنطق القانون الدولي على رأسه بدلا من قدميه٬ لتسويق الاحتلال الشكل الأسوأ لارهاب الدولة المنظم كحالة دفاع عن النفس." وفي الوقت الذي تمارس فيه الدولة الاستعمارية اسوا اشكال العنف٬ تسارع لتصوير "المقاومة المشروعة لشعبنا إرهابا ينبغي محاربته وتصفيته أو محاكمة من يمارسه أو يؤيده أو يحلم به." وبهذا فإن الهدف الأساسي للجهاز القضائي هو سن القوانين لحماية مصالح الاستعمار.ا
ليس من الصدفة أن يبدأ سعدات مرافعته أمام المحكمة بهذه الكلمات التي توضح التفاوت البنيوي بين المُستَعمِر والمُستَعمر٬ وفي ذلك تشابه مع رفض كنفاني لمنطق المفاوضات بناء على تحليله للواقع الفلسطيني كحالة إستعمارية. وكما يقول سعدات٬ "فإن اية محاولة للقفز عن هذه الحقيقة في تناول تداعيات الصراع يُشكّل تعسفا مقصودا على الواقع وسيجانب الصواب." وهذا هو حال أوسلو ومحاولاتها لنشر الفكر المُصالح الرأسمالي والليبرالي٬ فهي تبدأ من تحليل هَمُّه التصالح مع والاستفادة من الواقع الاستعماري بدلا من انهائه. ولذلك سمّى المفكر الأصلاني "جلين كولتارد" المفاوضات بين المُستعمر والسكان الأصلانيين ب"منظومة الاعتراف الاستعمارية"٬ فهي تدعي الصلح والنية الحسنة خطابياً٬ وفي حين تُمارس الاحتلال والاستعمار والقهر على أرض الواقع.ا
وهنا تكمن أهمية التفكير في الأرشيف اللامتناهي من الممارسات السياسية والثقافية والاقتصادية الفلسطينية التي ترفُض المُثول لهذه المنظومة. فمنطق أوسلو ليس بالمنطق المُطلق٬ ومصيره الزوال كمصير غيره من أنظمة الاعتراف الاستعمارية. تُشير الممارسات الفكرية التحررية لغسان كنفاني٬ وناجي العلي٬ واحمد سعدات إلى أرشيف تحرري ينقض هيمنة السلطة ويُظهر هشاشة مشروعها الفكري وايديولوجيتها المُقتصرة على خدمة شريحة محدودة من المجتمع الفلسطيني. ولا يقتصر هذا الأرشيف على كتابات كنفاني وسعدات ورسومات العلي٬ بل يشمل ممارسات الأسرى السياسيين الفلسطينيين ورفضهم للمحاكم الإسرائيلية٬ وأساليب المقاطعة الاقتصادية والسياسية والثقافية لإسرائيل٬ الرافضة للأبعاد الذاتية لمنظومة الاعتراف الهادفة لتجنيد الأفراد لخدمة مصالحهم الشخصية على حساب القضية الجامعة. كما ويشمل رفض تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال٬ والإصرار على تكوين علاقات اجتماعية وسياسية بين التجمعات الفلسطينية في كافة أماكن تواجدها٬ فرفض الحدود هو أيضا رفض لمنظومة الاعتراف. وعلى الرغم من الهيمنة المادية والسياسية لإطار أوسلو في الحقبة التاريخية الحالية٬ إلا أن هذا الأرشيف يُجسد بصيص أمل لمستقبل تحرري رافض للتسوية٬ ويُصر على مقولة "لا تصالح ولو منحوك الذهب."ا
واختتم هذا المقال باقتباس من احمد سعدات:ا
ا"وأمام هذا التعارض الجوهري أُنهي مرافعتي بالقول: "هذه محكمتكم وتملكون القوة لعقدها واستكمال فعولها (وإدانتي)، على أساس لائحة اتهامكم العلنيّة والسرية، والنطق بالحكم الذي حدّدَتْه الجهة السياسية والأمنية التي تقف خلف هذه المحكمة. لكنّني أيضًا امتلك الإرادة المستمدة من عدالة قضيتنا وعزيمة شعبنا لرفض أيِّ دورٍ في هذه المحكمة المسرحية، والحفاظ على توازن منطقي المنسجم مع تصميمي على مقاومة احتلالكم، إلى جانب أبناء شعبنا مهما ضيّقتم مساحات الحركة المتاحة لي كأسير حرية."ا
ليس من الصدفة أن يبدأ سعدات مرافعته أمام المحكمة بهذه الكلمات التي توضح التفاوت البنيوي بين المُستَعمِر والمُستَعمر٬ وفي ذلك تشابه مع رفض كنفاني لمنطق المفاوضات بناء على تحليله للواقع الفلسطيني كحالة إستعمارية. وكما يقول سعدات٬ "فإن اية محاولة للقفز عن هذه الحقيقة في تناول تداعيات الصراع يُشكّل تعسفا مقصودا على الواقع وسيجانب الصواب." وهذا هو حال أوسلو ومحاولاتها لنشر الفكر المُصالح الرأسمالي والليبرالي٬ فهي تبدأ من تحليل هَمُّه التصالح مع والاستفادة من الواقع الاستعماري بدلا من انهائه. ولذلك سمّى المفكر الأصلاني "جلين كولتارد" المفاوضات بين المُستعمر والسكان الأصلانيين ب"منظومة الاعتراف الاستعمارية"٬ فهي تدعي الصلح والنية الحسنة خطابياً٬ وفي حين تُمارس الاحتلال والاستعمار والقهر على أرض الواقع.ا
وهنا تكمن أهمية التفكير في الأرشيف اللامتناهي من الممارسات السياسية والثقافية والاقتصادية الفلسطينية التي ترفُض المُثول لهذه المنظومة. فمنطق أوسلو ليس بالمنطق المُطلق٬ ومصيره الزوال كمصير غيره من أنظمة الاعتراف الاستعمارية. تُشير الممارسات الفكرية التحررية لغسان كنفاني٬ وناجي العلي٬ واحمد سعدات إلى أرشيف تحرري ينقض هيمنة السلطة ويُظهر هشاشة مشروعها الفكري وايديولوجيتها المُقتصرة على خدمة شريحة محدودة من المجتمع الفلسطيني. ولا يقتصر هذا الأرشيف على كتابات كنفاني وسعدات ورسومات العلي٬ بل يشمل ممارسات الأسرى السياسيين الفلسطينيين ورفضهم للمحاكم الإسرائيلية٬ وأساليب المقاطعة الاقتصادية والسياسية والثقافية لإسرائيل٬ الرافضة للأبعاد الذاتية لمنظومة الاعتراف الهادفة لتجنيد الأفراد لخدمة مصالحهم الشخصية على حساب القضية الجامعة. كما ويشمل رفض تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال٬ والإصرار على تكوين علاقات اجتماعية وسياسية بين التجمعات الفلسطينية في كافة أماكن تواجدها٬ فرفض الحدود هو أيضا رفض لمنظومة الاعتراف. وعلى الرغم من الهيمنة المادية والسياسية لإطار أوسلو في الحقبة التاريخية الحالية٬ إلا أن هذا الأرشيف يُجسد بصيص أمل لمستقبل تحرري رافض للتسوية٬ ويُصر على مقولة "لا تصالح ولو منحوك الذهب."ا
واختتم هذا المقال باقتباس من احمد سعدات:ا
ا"وأمام هذا التعارض الجوهري أُنهي مرافعتي بالقول: "هذه محكمتكم وتملكون القوة لعقدها واستكمال فعولها (وإدانتي)، على أساس لائحة اتهامكم العلنيّة والسرية، والنطق بالحكم الذي حدّدَتْه الجهة السياسية والأمنية التي تقف خلف هذه المحكمة. لكنّني أيضًا امتلك الإرادة المستمدة من عدالة قضيتنا وعزيمة شعبنا لرفض أيِّ دورٍ في هذه المحكمة المسرحية، والحفاظ على توازن منطقي المنسجم مع تصميمي على مقاومة احتلالكم، إلى جانب أبناء شعبنا مهما ضيّقتم مساحات الحركة المتاحة لي كأسير حرية."ا
Hashem Abushama
Dr Hashem Abushama is an Associate Professor in Human Geography and Tutorial Fellow at St Peter’s College. He holds a DPhil in Human Geography and an MSc in Refugee and Forced Migration Studies from the University of Oxford, and a BA in Peace and Global Studies from Earlham College in the United States. He is also a EUME Fellow at the Forum Transregionale Studien in Berlin as well as a Senior Fellow at the Institute for Palestine Studies. He has authored several academic and journalistic articles on dispossession, arts, urbanization, the archives, and postcolonial Marxism.
︎︎


