Samar Ozrail

رسالة، بطاقة، صورة بماذا باح الفلسطينيون ا





01
    فيصل دراج،"فالتر بنيامين ولاهوت التاريخ"، الكرمل، العدد 86 (كانون ثاني 2006): 163 -164.ا
ا "(خلق الأمل لهولاء الذين لا أمل لهم) يقول بنيامين وخلقت الذاكرة لهولاء الضائعين الذين يحتاجون ذاكرة، وما الزمن التاريخي إلا هذه الذاكرة التي تغاير ذاكرة اسياد الظلام" 1 ا
02
  بشارة دوماني،"أرشفة فلسطين والفلسطينيين:إرث احسان النمر" في كتاب أوراق عائلية،ىتحرير زكريا محمد وآخرون (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2011)، 10.ا

ا "في الواقع لا يمر يوم دون أن تدمر الجرافات الإسرائيلية منزلا فلسطينيا بكامل ذكرياته وتذكاراته أو من دون أن يمحى كرم زيتون، رعي بصبر وأشير اليه بالإسم عبر الاجيال"2 ا

كثيرة هي النصوص التي اعتمدت على الذاكرة الشفهية وأخرى التي درست أوراقا لبعض النخب الفلسطينية، وثالثة التي تطرقت للأوراق الرسمية الصادرة عن أنظمة الحكم التي تعاقبت على فلسطين قبل وبعد النكبة خاصة أوراق المحاكم الشرعية والمجلس الاسلامي الأعلى. لطالما وجدت متساعاً من الوقت للتأمل في الأوراق التي انتجها الناس بصفتهم فلسطينيين دون أي صفة رسمية أو نخبوية أخرى خلال عملي كباحثة ميدانية تبحث عن الأرشيفات وفيها.ا

كانت الرسائل المرفقة بصور أو بطاقات بريدية تحمل دلالات خاصة، فيها حنين للقاء أو استكشاف لأماكن وعوالم وأحداث مختلفة، فكثيراً ما تزخر الأرشيفات الشخصية والعائلية لأي فلسطيني يحتفظ بأوراقه بهذه المواد التي إذا ما قلبت وجهها وجدتها مرفقة بكلمات من نوعٍ خاص.ا

أرسل الأبناء والآباء والأمهات والأقارب والأصدقاء، هذه الصور وتلقوها واحتفظوا بها، في الأعياد استقبل العديد منهم بطاقات بريدية محملة بالسعادة، وفي المناسبات المختلفة السعيدة وحزينة، في محطات انتظار الهجرة إلى وطن جديد بحثا عن فرصة عمل كتب الكثير منهم رسائل يصفون رحلاتهم إلى البرازيل والخليج وغيرها.ا

هذه النصوص الحياتية غير المتكلفة، التي تحمل الشوق والحنين، كما تحمل الدرب الفلسطيني الطويل من التنقل والشتات. تجدها حينا بين غزة ولبنان، وتارة أخرى بين دول الخليج والضفة، وفي مراتٍ كثيرة خبأها شخص ما في صندوق قديم لأنها ممنوعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة فهي لقريب لهم يسكن في أحد دول الوطن العربي. تزخر خزائن أمهاتنا الفلسطينيات بمثل هذه النماذج، تماما كما يحتفظ البعض بصور أصدقائهم المغتربين، فماذا كتب الفلسطينيين؟ ماذا تمنوا ؟ عن ماذا سألوا؟ إلى أين ذهبوا وتنقلوا؟

الشتات والهجرة والغياب القسري

نصوص مثقلة بوجع الهجرة والشتات والرحيل والغياب القسري، بعد ما حل بفلسطين من نكبة عام 1948، الكثيرون خسروا منازلهم وآخرون هاجروا من بلادهم إلى وجهة أخرى طلباً لحياة كريمة بعد أن خسروا وظائفهم أو أماكن أعمالهم، في هذا الجزء من المقال نستعرض رسائل الحنين للوطن والهجرة والشتات:ا

أرسلت رشيقة الشريف لصديقتها سميحة خليل في غزة، عدة رسائل من صيدا. تخبرها في إحداها عن حادثة خروجها مع عائلتها من مدينة المجدل(عسقلان) بتاريخ 14 أيار1948، والمخاطر التي واجهتهم في البحر والظروف الصعبة التي مروا بها.ا
03
ملف رسائل رشيقة الشريف إلى سميحة خليل. مجموعة سميحة خليل. موقع الأرشيف الاجتماعي الفلسطيني: ا  https://archive.palestine-studies.org/ar/node/1856

أرسلت الشريف لخليل أربعة رسائل مؤرخة من أيلول 1948، وحتى نيسان 1950، كانت دائما ما تخبرها بأحوالها وبعض التفاصيل عن حياتها وعائلتها في صيدا، كما جاءت على ذكر عودة زوجها وابن عمه من المجدل بعد تسللهما خلسة إليها، على أمل انقاض بعض الممتلكات، لكن دون جدوى فالعائلة خسرت كل شيء هناك باستثناء الشيء البسيط من الملابس والأثاث.3  ا

تحدثت الشريف عن شوقها الشديد للمجدل والعودة للعيش في الوطن، وأمنياتها بتحرره بعد ضايعه وحلول النكبة، كانت سميحة تعاني الهجرة والشتات أيضا، فهي وعائلتها اضطروا للخروج من المجدل مكان عامل زوجها سلامة خليل إلى غزة، ولم يستطيعوا العودة إلى طيبة المثلث مسقط رأس زوجها، فالطيبة أيضا احتلت عام 1948، ومسألة العودة إلى بلدتها عنبتا مسقط رأسها كان صعبا في ذك الوقت، حيث أصبحت تحت الحكم الأردني بينما وقعت غزة تحت الحكم المصري، مما اضطرها للاستقرار في غزة، قبل أن تستطيع عائلة سلامة خليل الانتقال إلى مدينة رام الله بعد ذلك. ا

04
. بطاقات بريدية ارسلها بطرس توما إلى عائلته في بيت جالا. مجموعة خليل توما. ارشيف المتحف الرقمي الفلسطيني: ا

وثيقة رقم (0376.01.0234): ا https://palarchive.org/index.php/Detail/objects/278616/lang/ar_PS

وثيقة رقم ( 0376.01.0232): ا https://palarchive.org/index.php/Detail/objects/278614/lang/ar_PS

وثيقة رقم ( 0376.01.0069): ا https://palarchive.org/index.php/Detail/objects/278451/lang/ar_PS

وثيقة رقم (0376.01.0173): https://palarchive.org/index.php/Detail/objects/278555/lang/ar_PS
وثيقة رقم ( 0376.01.0028): ا https://palarchive.org/index.php/Detail/objects/278410/lang/ar_PS


05
انظر وثيقة رقم ( 0376.02.0093) مجموعة خليل توما، أرشيف المحتف الفلسطيني الرقمي : ا https://palarchive.org/index.php/Detail/objects/278795/lang/ar_PS

احتفظ خليل توما، في أرشيفه الخاص العائلي، بخمس بطاقات بريدية مؤرخة في 24 كانون الأول 1949 وحتى 21 كانون الثاني 1950، أرسها عمه بطرس توما إلى عائلته في بيت جالا، خلال رحلة هجرته للإقامة والعمل في تشيلي، في رحلة استغرقت قرابة الشهر، حيث كتب لهم من أثينا وجنوة، ومرسيليا وبيونس آيرس، يخبرهم بمكان تواجده والمحطة المقبلة التي سيقصدها بالبحر حتى وصوله إلى تشيلي، وختم أغلبها بعبارة سلام لكم جميعا.4  ا

بطرس توما الذي أذا ما نظرت إلى مجموعة خليل توما الأرشيفية المنشورة على موقع الأرشيف الرقمي للمتحف الفلسطيني، تجده أرسل عشرات الرسائل بشكل دائم لابن أخيه كارلوس (خليل توما) يحدثه عن حياته وأدق تفاصيلها، ويستفيض في شرح شدة شوقه وحنينه للحياة في بيت جالا، وتمسكه بإرث العائلة وحفاظه على شجرة العائلة وامتدادها ومخطوطات قريبه الخوري اسحاق توما.5ا

06 .  رسالة من رسمي عبد العزيز إلى علي فودة، 6 كانون الأول 1967. مجموعة علي فودة. أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي (0331.02.0109): ا https://palarchive.org/index.php/Detail/objects/234029/lang/ar_PS .
كتب رسمي عوض عبد العزيز لصدقيه علي فودة،  بتاريخ 6 كانون الأول 1967، يخبره فيها عن انتقاله للعمل مدرساً في مدرسة ارحابا قضاء إربد، وجاء على ذكر انقطاع أخبار أهله القاطين في مخيم طولكرم عنه، حتى تاريخ 30 تشرين الثاني 1967 عندما التقى بأحد معارفه القادمين من الضفة الغربية إلى الأردن بتصريح لبيع زيت الزيتون، فطمأنه عن أحوال أهله وأهل صديقه فودة، وختم رسالته بجملة " الواقع أنني مشتاق جدا لرؤية الأهل، وأحن إليهم دائماً، ولكن الأقدار شاءت هكذا ... شاءت أن تشردنا السنين الطوال"6، في تعبير صريح عن الفرقة التي حصلت بعد حرب حزيران عام 1967 (النكسة)، والشتات الجديد الذي عاشه الفلسطينيين. ا


صور والكلمات وحبر الزمان حكايات باقية

لم تكن الرسائل هي الوحيدة التي تحمل الحنين وتفيض برغبة اللقاء، كذلك الصور والبطاقات البريدية، كثيرا ما دون عليها تفاصيل مهمة وخاصة لأصحابها الذين أرسلوها واستقبلوها، تخبرهم عن أنواع خاصة من العلاقات تماماً كخصوصية المكان الذي أرسلت إليه (فلسطين). أمل اللقاء وجع الغياب، وألف احتمال آخر. ا

يحتفظ خالد بطراوي في أرشيف والديه محمد وعايدة بطراوي بصورة كتب على جابنها رسالة قصيرة جاء فيها: ا



"يا كبيراً لمحبتنا للكبار وشوقا لتعرفنا على الصغار، إلى عمو محمد وخالتو عايدة، وأسماء وخالد ومن يتبع من لميس وأسامة نجم" ا
07    لميس وأسامة نجم، 1961. مجموعة محمد بطراوي. ارشيف المتحف الفلسطيني الرقمي.(0145.01.0009): ا https://palarchive.org/index.php/Detail/objects/139310/lang/ar_PS
أرسلتها فايزة كنفاني من الكويت في 12 أيار 1961، لعائلة بطراوي أصدقاء العائلة، هي ليست بصورة عادية لطفلين، فبطلة الصورة لميس نجم التي كان عمرها في حينه ستة سنوات، وهي نفسها الشهيدة لميس ابنة أخت الأديب والروائي الفلسطيني غسان كنفاني، التي رافقته في سيارته واغتيلت معه.7  ا
08
.  ناصر أبو سرية، 28 آذار 1989. مجموعة عمر القاسم. ارشيف المتحف الفلسطيني الرقمي.( 0004.03.0030): ا
اhttps://palarchive.org/index.php/Detail/objects/13844/lang/ar_PS

خلف صورة أخرى كتب النص التالي "إلى الرفيق المناضل الشيوعي عمر القاسم أهديك صورة ابني الشيوعي الصغير ناصر، ونأمل يا رفيقنا الغالي أن نلتقي على تراب أرضنا وتحت سماء دولتنا الأبية" وقعت الرسالة باسم نبيل أبو سرية، وقد أرسلت من سجن الرملة إلى الأسير عمر القاسم في سجن عسقلان بتاريخ 28 آذار 1989، دونت ملاحظة على خلف الصورة أن القاسم لمر يراها، وكان القاسم قد استشهدت بتاريخ 4 حزيران من نفس العام نتيجة الأهمال الطبي لحالته الصحية وتدهورها خلال فترة سجنه التي امتدت لعشرين عاما.8  ا

09 . عباس وغادة وعلاء حواري، 1964. مجموعة عبد الحميد حواري. أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي. (0274.01.0008): ا https://palarchive.org/index.php/Detail/objects/199714/lang/ar_PS
أرسل محمد عباس حواري من الرياض لوالده في سبسطية، بتاريخ 21 نيسان 1964، صورة أبنائئه الثلاثة عباس وغادة وعلاء، كتب حواري خلفها رسالة قصيرة مقتضبة يهنئه بحلول عيد الفطر، وينقل له أشواق وسؤال الأطفال الثلاثة الدائم عن جده، متمنيا فيها رؤيته قريبا واجتماع شمل العائلة.9    ا

10 بطاقة معايدة من علي العفيفي إلى ابنة أخته وفية الحسيني. مجموعة غدير الدجاني. أرشيف خزائن الرقمي: اhttps://khazaaen.org/ar/node/6176
أرسل علي العفيفي من مدينة بيروت إلى ابنة اخته وفية الحسيني في القدس، بطاقة بريدية بتاريخ 26 آذار 1966 يهئنها بقرب عيد الأضحى ويتمنى لها ولعائلتها أطيب الأماني.10     ا


الرسائل والصور وبطاقات للحياة والأمل شاهدة على علاقات الفلسطينيين العابرة للحدود والإستعمار، في زمن ترقد فيه رسائل الناس وصورهم تحت ركام أحياء مدمرة من رفح وحتى جباليا. ا
11
فيصل دراج،"فالتر بنيامين ولاهوت التاريخ"، الكرمل، العدد 86 (كانون ثاني 2006): 161. ا

هذه النماذج التي عرضتها المقال ما هي إلا جزء يسيير مما تختزنه حقائب الفلسطينيين وألبومات صورهم من قصص عن الحنين والشوق والإغتراب الذي عاشوه منذ 76 عاما، في محاولة لتقديم صورة عن واقع منسي لا يكتبه تاريخ المنتصر، هي أشبه بذاكرة الروح عند فالتر بنيامين التي تتسلل منها ذكريات أغلب الفلسطينيين، وهي تحاول أن تعيد أطياف الأجداد الذين خسروا عادلة المعركة عندما كتب تاريخ وطنهم بحبر من سرقوه.11 في هذه الحالة يكتب الفلسطينيون انفسهم في التاريخ العادل لا يكتب عن الفلسطينيين في التاريخ. ا

Samar Ozrail

Samar Ozrail is a researcher and archivist who earned a Bachelor's degree from Birzeit University in political science with a minor in public administration, and a Master's in international studies from the same university. After graduating, she worked as a researcher with the late Samih Hamouda, PhD on several research studies, the most significant of which was research on the life of the activist Bassam Shakaa, the former mayor of Nablus. She worked on the Palestinian Museum Digital Archive project for five years, collecting more than 70 archival collections from the West Bank.

︎︎




︎ About the site
︎ Biographies
︎ Instagram


Archive Stories is funded by the London School of Economics and Political Science.


Copyright © 2025 Archive Stories. All Rights Reserved